في الأسرة الصحية، يتم لعب الأدوار بمرونة، ويمكن للفرد أن ينتقل من دور إلى آخر ويظل محبوباً ومقبولاً دون شروط من الأفراد الآخرين في الأسرة.
أما في الأسرة المضطربة، فيتم فرض أدوار محددة لكل فرد بصورة قهرية أي يظل محبوساً طوال الوقت في الدور الذي رُسم له. ومن أشهر الأدوار في الأسرة ما يأتي:
- البطل
غالباً ما يكون الشخص الذي تعتبره الأسرة فخرها، أو هو المتحمل المسئولية أو الذي ينفق على الأسرة، أو البنت الذكية المتفوقة دراسياً، أو الشاب المتدين الذي يشكل ضمير الأسرة.
وبطبيعة الحال، يأخذ هذا البطل الكثير من المدح، ويصبح مدمناً للعمل والإنجاز، ولا يسمح له بالضعف أو الفشل.. بل ربما هو نفسه لا يقبل بينه وبين نفسه فشلاً أو ضعفاً.
ولأنه يعيش حياة غير طبيعية، فيعاني في أعماقه من الخوف الشديد من الفشل – فالفشل بالنسبة له هو النهاية والموت. أيضاً، ليس مسموحاً له بالراحة أو الاحتفال بإنجازاته، بل عليه أن يعمل ويعمل بصورة قهرية لينتقل من نجاح إلى آخر.
بالطبع، هذا لا يحدث في العائلات الصحية، حيث يُسمح للفرد أن يلعب هذا الدور ليس طول الوقت. فالكل في الأسرة مسموحاً لهم بالنجاح والفشل، القوة والضعف، العطاء والاحتياج.
- كبش الفداء
أو المتمرد الذي يلام دائماً على كل مشكلات الأسرة، والذي يحمل كل الأخطاء والخطايا. وكبش الفداء ربما يكون هو الابن المدمن (الذي تنشغل به الأم لتنسى خيانة زوجها، ويكون مبرراً للأب في خيانته بسبب معاناته من ابن مدمن وزوجة حزينة) وربما هو ذلك الشخص الذي يخلق المشاكل داخل وخارج الأسرة، وربما هو الذي يسلك سلوكاً ضد القانون. ويستمر بصورة قهرية في ممارسة الفشل لأنه لا يؤمن بنفسه في دور الناضج.
- المهرج
هو الطفل الذي لا يستطيع العيش دائماً في توتر، لذلك يحاول استخدام الفكاهة والضحك كوسيلة للتعامل مع الألم والمشكلات. إنه الشخص الذي يحاول جذب أسرته بعيداً عن الألم والمشكلات الحقيقية. ويرى الذين من خارج الكثير من الضحك والمتعة فيقولون “أليست هذه أسرة سعيدة”. وهو يلعب هذا الدور بصورة قهرية، بمعنى أن يستمر سعيداً حتى لو لم يكن يشعر بذلك، فليس مسموحاً له أن يعاني أو أن يعبر عن معاناته.
وهذا المهرج يعيش حياة مصطنعة .. يعيش في حالة إنكار لعواطفه، ولديه صعوبات جمة في تطوير علاقته بالآخرين.
- الطفل المنسي
أو الضائع الذي لا يسبب أي مشكلات وليس له أي مطالب. وهو يمتص الألم ويشعر به أكثر من الجميع، ثم ينعزل وينسحب إلى عالمه الخاص. وهناك – في غرفته أو عالمه الخاص – يستغرق في سلوكيات قهرية مثل أحلام اليقظة أو الشفقة على النفس أو العادة السرية التي يجد فيها لذة وهروباً من الألم. وربما تكون له ميولاً للانتحار وعندما يكبر هذا الطفل يدفع ثمناً غالياً، حيث يجد صعوبة وسط الناس، ولا يرحب بالأضواء، كما أنه لا يثق بأن أحداً من الممكن أن يحبه أو يهتم به لأنه منسي، يجب أن يعيش على هامش الحياة. فقط عليه أن “يوسع الطريق” أمام الجميع لكي لا يسبب مشكلة.
- مهدئ العاصفة
هو الابن أو الإبنة الصالحة اللطيفة التي لديها موهبة تهدئة الأمور ومعالجتها حتى يتوقف الشجار في الأسرة. لذا، تنصبه الأسرة مسئولاً عن حل الصراعات، لا سيما بين الأب والأم. وهكذا تصبح الطريقة الوحيدة التي تجعله يشعر بقيمة نفسه أو نجاحه أو رضا الآخرين عنه، هي أن ينجح في حل الصراع في الأسرة. وعندما يفشل يشعر بالذنب الشديد لأنه هو المسئول عن كل ما يحدث في الأسرة!
- الشهيد
يشبه الشهيد “البطل” ولكن بالصورة السلبية. إنه يقوم بكل شيء من أجل الأسرة، ويحصل على الاهتمام – ليس بتفوقه مثل البطل – بل من خلال التضحية بنفسه. ربما يكون هو الطفل الذي يضحي بدراسته كي يعمل ليصرف على الأسرة بسبب إدمان الأب، أو البنت التي تتولى مسئولية الأسرة في سن مبكرة لأن الأم مريضة.
مثل هؤلاء – الشهداء – يتولد عندهم قناعة بأن أفضل شيء يفعلونه في حياتهم هي حمل مسئولية الآخرين وخدمتهم. وهم في هذا يفعلون كل شيء للآخرين وينسون أنفسهم.
- المنقذ
يشبه مهدئ العاصفة ، ولكنه غالباً ما يتعامل مع الأمور الخارجية.. فيغطي مثلاً على فضائح الأب أو مرض الأم. والمؤسف في الأمر أنه بعد حين يصبح مؤمناً بأن المظهر أهم من الجوهر. ومثل هؤلاء يخسرون كثيراً لأنهم لا يعترفون باحتياجاتهم، ويجدون أنفسهم عندما يكبرون في المهن التي تساعد الناس كعلاج المدمنين والمرضى النفسيين والخدمة الروحية.
وعلى هؤلاء أن يسألوا أنفسهم باستمرار: هل يستمدون سعادتهم وسلامهم من إنقاذ الآخرين أم من العلاقات الصحية مع الله والناس وأنفسهم حتى لو لم يقوموا بإنقاذ أحد؟
- الناقد
هو الذي ينفصل عن الأسرة وينظر إليها من فوق ويدينها ويحكم عليها. وهو يفعل هذا ليس فقط مع الأسرة بل مع المجتمع كله.
في الأسر المضطربة التي قهرتنا لنلعب كل هذه الأدوار .. سواء دوراً واحداً أو عدة أدوار، حتى يصبح الدور قيداً، من الضروري أن نتحرر منه لنكون بحسب ما خلقنا الله لنكونه.
تأثير الأسرة المضطربة على الأطفال
- هذه الأدوار تؤثر في تكوين شخصياتنا، وكأن هذه الأدوار كُتبت لنا أو فرضت علينا لابد أن نؤديها مهما كانت مشاعرنا والظروف التي نمر بها.
- هذه الأدوار تملي علينا طريقة تفكير وردود أفعال وسلوكيات وعلاقات بصورة خاصة جامدة، لا تكاد أن تتغير.
- رغم أننا يمكننا أن نلعب أدواراً أخرى في الحياة والعلاقات، لكننا نظل نلعب هذه الأدوار في أسرنا الجديدة حتى بعد ترك أسرة المنشأ.